خطبه 225 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

225 و من خطبة له ع

– : فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ مِفْتَاحُ سَدَادٍ- وَ ذَخِيرَةُ مَعَادٍ وَ عِتْقٌ مِنْ كُلِّ مَلَكَةٍ- وَ نَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ- وَ يَنْجُو الْهَارِبُ وَ تُنَالُ الرَّغَائِبُ- فَاعْمَلُوا وَ الْعَمَلُ يُرْفَعُ- وَ التَّوْبَةُ تَنْفَعُ وَ الدُّعَاءُ يُسْمَعُ- وَ الْحَالُ هَادِئَةٌ وَ الْأَقْلَامُ جَارِيَةٌ- وَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً- أَوْ مَرَضاً حَابِساً أَوْ مَوْتاً خَالِساً- فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ- وَ مُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ وَ مُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ- زَائِرٌ غَيْرُ مَحْبُوبٍ وَ قِرْنٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ- وَ وَاتِرٌ غَيْرُ مَطْلُوبٍ- قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ- وَ تَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ وَ أَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ- وَ عَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ وَ تَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ- وَ قَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ- فَيُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِهِ- وَ احْتِدَامُ عِلَلِهِ وَ حَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ- وَ غَوَاشِي سَكَرَاتِهِ وَ أَلِيمُ إِرْهَاقِهِ- وَ دُجُوُّ أَطْبَاقِهِ وَ خُشُونَةُ مَذَاقِهِ- فَكَأَنْ قَدْ أَتَاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ- وَ فَرَّقَ نَدِيَّكُمْ وَ عَفَّى آثَارَكُمْ- وَ عَطَّلَ دِيَارَكُمْ وَ بَعَثَ وُرَّاثَكُمْ- يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ بَيْنَ حَمِيمٍ خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ- وَ قَرِيبٍ مَحْزُونٍ لَمْ يَمْنَعْ- وَ آخَرَ شَامِتٍ لَمْ يَجْزَعْ- فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَ الِاجْتِهَادِ وَ التَّأَهُّبِ وَ الِاسْتِعْدَادِ- وَ التَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ- وَ لَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا- كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ- وَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا- وَ أَصَابُوا غِرَّتَهَا وَ أَفْنَوْا عِدَّتَهَا- وَ أَخْلَقُوا جِدَّتَهَاوَ أَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً- وَ أَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ- وَ لَا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ وَ لَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ- فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ- مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ- لَا يَدُومُ رَخَاؤُهَا- وَ لَا يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا وَ لَا يَرْكُدُ بَلَاؤُهَا عتق من كل ملكة- هو مثل

قوله ع التوبة تجب ما قبلها

– أي كل ذنب موبق يملك الشيطان فاعله و يستحوذ عليه- فإن تقوى الله تعتق منه و تكفر عقابه- و مثله قوله و نجاة من كل هلكة- . قوله ع و العمل ينفع- أي اعملوا في دار التكليف- فإن العمل يوم القيامة غير نافع- . قوله ع و الحال هادئة- أي ساكنة ليس فيها ما في أحوال الموقف- من تلك الحركات الفظيعة- نحو تطاير الصحف و نطق الجوارح- و عنف السياق إلى النار- . قوله ع و الأقلام جارية- يعني أن التكليف باق- و أن الملائكة الحفظة تكتب أعمال العباد- بخلاف يوم القيامة فإنه يبطل ذلك- و يستغنى عن الحفظة لسقوط التكليف- .

قوله عمرا ناكسا يعني الهرم- من قوله تعالى وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ- لرجوع الشيخ الهرم- إلى مثل حال الصبي الصغير في ضعف العقل و البنية-و الموت الخالس المختطف- و الطيات جمع طية بالكسر و هي منزل السفر- و الواتر القاتل و الوتر بالكسر الذحل- . و أعلقتكم حبائله جعلتكم معتلقين فيها- و يروى قد علقتكم بغير همز- . و تكنفتكم غوائله أحاطت بكم دواهيه و مصائبه- و أقصدتكم أصابتكم- .

و المعابل نصال عراض الواحدة معبلة بالكسر- . و عدوته بالفتح ظلمه- و نبوته مصدر نبا السيف- إذا لم يؤثر في الضريبة- . و يوشك بالكسر يقرب و تغشاكم تحيط بكم- . و الدواجي الظلم الواحدة داجية- و الظلل جمع ظلة و هي السحاب- و الاحتدام الاضطرام و الحنادس الظلمات- . و إرهاقه مصدر أرهقته أي أعجلته- و يروى إزهاقه بالزاي- . و الأطباق جمع طبق و هذا من باب الاستعارة- أي تكاثف ظلماتها طبق فوق طبق- . و يروى و جشوبة مذاقه بالجيم و الباء و هي غلظ الطعام- . و النجي القوم يتناجون- و الندي القوم يجتمعون في النادي- . و احتلبوا درتها فازوا بمنافعها كما يحتلب الإنسان اللبن- . و هذه الخطبة من محاسن خطبه ع- و فيها من صناعة البديع ما هو ظاهر للمتأمل:

مِنْهَا فِي صِفَةِ الزُّهَّادِ- كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا- فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا-عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ- وَ بَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ- تَقَلُّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الآْخِرَةِ- وَ يَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ- وَ هُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ بين ظهراني أهل الآخرة بفتح النون- و لا يجوز كسرها و يجوز بين ظهري أهل الآخرة لو روي- و المعنى في وسطهم- . قوله ع- كانوا قوما من أهل الدنيا و ليسوا من أهلها- أي هم من أهلها في ظاهر الأمر و في مرأى العين- و ليسوا من أهلها- لأنه لا رغبة عندهم في ملاذها و نعيمها- فكأنهم خارجون عنها- . قوله عملوا فيها بما يبصرون- أي بما يرونه أصلح لهم- و يجوز أن يريد أنهم لشدة اجتهادهم قد أبصروا المآل- فعملوا فيها على حسب ما يشاهدونه من دار الجزاء- و هذا كقوله ع لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا – .

قوله ع و بادروا فيها ما يحذرون- أي سابقوه يعني الموت- . قوله ع تقلب أبدانهم- هذا محمول تارة على الحقيقة و تارة على المجاز- أما الأول فلأنهم لا يخالطون إلا أهل الدين- و لا يجالسون أهل الدنيا- و أما الثاني فلأنهم لما استحقوا الثواب- كان الاستحقاق بمنزلة وصولهم إليه- فأبدانهم تتقلب بين ظهراني أهل الآخرة- أي بين ظهراني قوم هم بمنزلة أهل الآخرة- لأن المستحق للشي‏ء نظير لمن فعل به ذلك الشي‏ء- . ثم قال هؤلاء الزهاد يرون أهل الدنيا- إنما يستعظمون موت الأبدان- و هم أشد استعظاما لموت القلوب- و قد تقدم من كلامنا- في صفات الزهاد و العارفين ما فيه كفاية

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج13

دیدگاه‌ها

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.